بسم الله الرحمن الرحيم
من روائع القصة العربية ( لغة الحوار بين العامية والفصحى )
احتدم الخلاف بيننا وبين بعض الأخوة حول استخدام اللغة العامية فى لغة الحوار ؛ ووصل الرأى لبعضهم إلى نعت اللغة العامية بالمُبتذلة ؛ وذهبنا فى رأينا إلى أن اللغة كائنٌ حى يتطور ولكل عصر لغته ؛ وأن اللغة العامية - بكافة لهجاتها - لغة عبقرية . وأن تعدد اللهجات شىء طبيعى ؛ ويُثرى اللغة .
فاللغة العامية كلغة حوار تضارع الفصيحة ؛ بل وتتفوق عليها ؛ فهى أكثر منها إيحاءاً ؛ وثراءاً ؛ وإيصالاً للمعنى ؛ وتعبيراً صادقاً عن الشخصيات المتنوعة الطبقات والثقافات . فضلا عن أن إستخدام العامية في لغة الحوار يُعطى القصة بُعدى الزمان والمكان الصحيحين، ويُسبغ المصداقية على أحداثها التى تجري في بيئتها العادية التي نعيشها كل يوم ، دون إفتعال أو تكلف زائد .
وأن صياغة لغة الحوار بالعامية ليس عجزاً عن الإتيان بالمُرادف الفصيح ؛ فالعكس هو الصحيح ؛ فهناك كلمات عامية ؛ بلهجات محلية ؛ تعجز الفصيحة عن الإتيان بمثلها .
واحتججنا بقولنا أن صياغة لغة الحوار لم يستطع الفطاحل من الأدباء العرب الهرب من الإقتراب بشدة من العامية فيها ؛ لأنها ببساطة هى اللغة الحية .
ويمكن قراءة الآراء على هذا الرابط يسرنا أن نقدم عدة أمثلة ونماذج من روائع القصة العربية الحديثة ؛ والتى تثبت ما ذهبنا إليه .
ونبدأ بـ ( أمير القصة العربية الكاتب الراحل / يوسف ادريس
)
يوسف ادريس على ، من مواليد 19 مايو 1927- البيروم - محافظة الشرقية . مفكر واديب مصرى كبير، قدم للادب العربى عشرين مجموعة قصصية وخمس روايات وشعر و مسرحيات . ترجمت أعماله الى 24 لغة عالمية منها 65 قصة ترجمت الى الروسية ، كتب عدة مقالات هامة فى الثمانينيات بجريدة الاهرام المصرية ؛ صدرت فى كتاب ( فقر الفكر وفكر القصة ) . حصل على جائزة الدولة التشجيعية فى الادب عام 1966 والتشجيعية عام 1991.
هو واحد من أشهر الاطباء الذين تركوا الطب ؛ ومن الباب الملكى للأدب والادباء دخل علينا أميرا للقصة العربية وكاتبا متميزا رافعا إسم مصر فى العالم العربى . هو إحدى العلامات البارزة فى أدبنا العربى المعاصر ، عاش حياته على فوهة بركان فقد كان يتلمس الألغام الاجتماعية المُحرمة ويتعمد تفجيرها بقلمه وظل يتمتع بحيوية الرفض لكل ما يحد من حرية الانسان فى كل مايكتب .
بدأ يوسف ادريس يكتب القصة القصيرة منذ أوائل عام 1951، و برز اسمه كعلم من أعلام القصة القصيرة ، وقد اتفق الكثير من النقاد على اختلاف مواقعهم الفكرية والسياسية ، بأن ولادة القصة العربية القصيرة كانت على يد رائدها الكاتب الرحل يوسف إدريس ؛ بدءاً من مجموعته القصصية الأولى (أرخص ليال) ، مروراً بمجموعاته القصصية التي تتالت بعد ذلك ومن أبرزها مجموعة ( جمهورية فرحات ) ؛ ومجموعة ( آخر الدنيا ) ؛ ومجموعة ( حادثة شرف ) ؛ ومجموعة ( أليس كذلك ) ؛ ومجموعة ( لغة الآي أي ) ؛ ومجموعة ( الندَّاهة ) ؛ وأخيراً مجموعة ( بيت من لحم )... و في مجال القصة القصيرة الطويلة ؛ أصدر نحو ثماني مجموعات متميزة من أشهرها : مجموعة ( الحرام ) ؛ ومجموعة ( قصة حب ) ؛ ومجموعة ( العسكري الأسود ) ؛ ثم مجموعة ( العيب ) .
كان يدور فى كتابته حول ثالوث واضح الملامح هو : القدر ، الجنس ، السلطة... ويبدو ذلك جلياً في مجموعته الذائعة الصيت ( بيت من لحم ) ؛ واندفعت موهبته بحزم وعمق فنيين لتجسيد هذه القضايا .
إن فكرة القدر ؛ ووجود قوة عليا مهيمنة ، برزت بوضوح في رسم شخصيات ومسار قصصٍ كثيرة عند يوسف إدريس ، مثل قصة ( قبر السلطان ) ؛ وقصة ( لأن القيامة لا تقوم ) ؛ وقصة ( أكبر الكبائر ) ؛ وانتصر يوسف إدريس دائما لمأساة الإنسان المسحوق في مجتمع طبقي ظالم ، عبر مهارة فنية في السرد والحوار وإحكام بناء النسيج القصصي.
تميز يوسف إدريس بالمهارة في اصطياد اللحظة الخاطفة بكل توهجها وحساسيتها ، وإحكام التماسك في البناء القصصي والسيطرة على جوّ الشخصيات وتحليلها .
وأعترف يوسف إدريس في أكثر من حديث و حوار ؛ أنه وهو الطبيب ورجل العلم الناجح ، دخل عالم الإبداع القصصي بالمصادفة والتلقائية ، وأن غريزة الموهبة الفطرية ، وطموحه دفعاه لتحقيق ما يسمى بـ ( مصرية القصة ) ... وقد أهلته دراسته الطبية ، وأفقه العلمي ، وسعة معرفته إلى تشخيص أزمة الركود والجمود التي تعيشها القصة العربية بعامة ، خوفاً عليها من الوصول إلى الطريق المسدود.
[size=29][/size]